بقلم هند الصنعاني
يشهد المغرب في السنوات الأخيرة تحولا استثنائيا، جعل منه نموذجا إقليميا متفردا وفاعلا دوليا مؤثرا، فالمملكة المغربية، التي تعد من أعرق الملكيات في العالم، استطاعت بقيادة الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش سنة 1999 أن تنتقل من دولة تسعى إلى التنمية، إلى قوة إقليمية صاعدة تمتلك رؤية استراتيجية واضحة، واقتصادا متينا، ونفوذا سياسيا ودبلوماسيا يفرض حضوره على الساحة الدولية.
هذا المسار لم يكن وليد الصدفة، بل هو نتاج لإصلاحات عميقة وشاملة قادتها المؤسسة الملكية، حيث شكلت التوجيهات الملكية العمود الفقري لكل المبادرات التنموية والسياسية والدبلوماسية، في إطار رؤية تقوم على السيادة الوطنية الكاملة، والاعتماد على الذات، والانفتاح على شراكات متعددة تخدم مصالح المملكة.
وقد شملت هذه التحولات جميع القطاعات الحيوية من الاقتصاد إلى السياسة، ومن الأمن إلى الابتكار، مرورا بالطاقة والدبلوماسية، فقد تبنى المغرب سياسة تنموية طموحة تقوم على تعزيز الاستثمارات، وتشييد البنيات التحتية الكبرى، وتطوير الصناعات المتقدمة، لاسيما في مجالات الطيران وصناعة السيارات والطاقة المتجددة، ما مكنه من التموقع كمركز صناعي ومالي إقليمي وفاعل مؤثر في سلاسل الإنتاج العالمية.
وفي الجانب الدبلوماسي، برز المغرب كقوة إقليمية ذات تأثير متزايد، بفضل سياسة خارجية فعالة تتسم بالحكمة والتوازن، جعلت من القارة الإفريقية عمقا استراتيجيا، ومن تنويع الشراكات رافعة لتعزيز موقعه بين القوى الكبرى، وقد تجلى ذلك بوضوح في قضية الصحراء المغربية، حيث حققت الدبلوماسية المغربية نجاحات لافتة، تُوّجت بفتح العديد من القنصليات في العيون والداخلة، واعتراف متزايد بمقترح الحكم الذاتي كحل واقعي وذي مصداقية.
داخليا، رسخ المغرب استقراره السياسي من خلال إصلاحات مؤسساتية وهيكلية، شملت توسيع هامش الحريات، وتكريس الجهوية المتقدمة، وتحديث الإدارة، وإطلاق النموذج التنموي الجديد كخريطة طريق لمغرب المستقبل، في انسجام تام مع تطلعات المواطن المغربي.
كما أسهمت الاستراتيجية الأمنية التي يشرف عليها الملك محمد السادس، القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، في تعزيز موقع المملكة كشريك موثوق في مواجهة التحديات الأمنية الإقليمية والدولية، خاصة في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية والجريمة العابرة للحدود.
اقتصاديا، واصل المغرب تحقيق نسب نمو قوية رغم التحديات الدولية، ليصبح أحد أبرز المصنعين للسيارات في إفريقيا، ومصدرا رئيسيا لمكونات الطائرات، بالإضافة إلى ريادته في مجال الطاقات المتجددة، حيث أنشأ محطة "نور" بورزازات، إحدى أكبر المحطات الشمسية في العالم، ما يعكس التزاما استراتيجيا بالتحول إلى اقتصاد أخضر ومستدام.
إن هذه النهضة المغربية الشاملة ليست سوى ترجمة لرؤية ملكية طموحة، ترتكز على تعزيز مكانة المغرب إقليميا ودوليا، وتؤمن بأن الإنسان هو محور التنمية، وأن الاستقرار هو أساس التقدم. إنها مملكة تجسد التوازن بين الأصالة والتحديث، وتسير بثبات في عالم مليء بالتحولات، مستندة إلى تاريخ عريق وطموح لا يحده سقف، تحت قيادة ملكية حكيمة رسمت لمغرب الغد ملامح قوة وازنة ومتجددة.